فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

وعَزم الطلاق: التصميم عليه، واستقرار الرأي فيه بعد التأمل وهو شيء لا يحصل لكل مُولٍ من تلقاء نفسه، وخاصة إذا كان غالب القصد من الإيلاء المغاضبة والمضارة، فقوله: {وإن عزموا الطلاق} دليل على شرط محذوف، دل عليه قوله: {فإن فاءو} فالتقدير: وإن لم يفيئوا فقد وجب عليهم الطلاق، فهم بخير النظرين بين أن يفيئوا أو يطلقوا فإن عزموا الطلاق فقد وقع طلاقهم.
وقوله: {فإن الله سميع عليم} دليل الجواب، أي فقد لزمهم وأمضى طلاقهم، فقد حد الله للرجال في الإيلاء أجلًا محدودًا، لا يتجاوزونه، فإما أن يعودوا إلى مضاجعة أزواجهم، وإما أن يطلقوا، ولا مندوحة لهم غير هذين. اهـ.

.قال الجصاص:

وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْوَقْفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ} دَلَّ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ قَوْلًا مَسْمُوعًا وَهُوَ الطَّلَاقُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ السَّمِيعَ لَا يَقْتَضِي مَسْمُوعًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ سَمِيعًا وَلَا مَسْمُوعَ.
وَأَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْلٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاثْبُتُوا وَعَلَيْكُمْ بِالصَّمْتِ» وَأَيْضًا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَهُوَ قَوْله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَامِعٌ لِمَا تَكَلَّمَ بِهِ عَلِيمٌ بِمَا أَضْمَرَهُ وَعَزَمَ عَلَيْهِ. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224) لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225) لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)}.
التفسير: الحكم السابع: {ويسئلونك عن المحيض} قيل: إنه تعالى جمع في هذا الموضع بين ستة أسئلة، فذكر الثلاثة الأول بغير الواو والباقية بالواو. والسبب أن سؤالهم عن تلك الحوادث وقع في أحوال متفرقة فلم يؤت بحرف العطف، لأن كل واحد من تلك السؤالات سؤال مبتدأ، وسألوا عن الوقائع الأخر في وقت واحد فجيء بحرف الجمع لذلك كأنه قيل: يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر والسؤال عن كذا وعن كذا. روي أن اليهود والمجوس كانوا يبالغون في التباعد عن المرأة حال حيضها، والنصارى كانوا يجامعونهن ولا يبالون بالحيض، وكان أهل الجاهلية إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجالسوها على فرش، ولم يساكنوها في بيت. فقال ناس من الأعراب يا رسول الله، البرد شديد والثياب قليلة. فإن آثرناهن بالثياب هلك سائر أهل البيت، وإن استأثرنا بها هلكت الحيض فنزلت الآية، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن، ولم يأمركم بإخراجهن من البيوت» يعني أن المراد من قوله تعالى: {فاعتزلوا النساء} فاعتزلوا مجامعتهن. واتفق المسلمون على حرمة الجماع في زمان الحيض، واتفقوا على حل الاستمتاع بالمرأة بما فوق السرة وتحت الركبة، واختلفوا فيما دون السرة وفوق الركبة. فالشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف قالوا: يجب اعتزال ما اشتمل عليه الإزار بناء على أن المحيض مصدر كالمجيء والمبيت، والتقدير: فاعتزلوا تمتع النساء في زمان الحيض. ترك العمل بالآية فيما فوق السرة وتحت الركبة للإجماع فبقي الباقي على الحرمة. وعن زيد بن أسلم أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال:
«لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها» وقيل: ما سوى الفرج حلال، لأن المراد بالمحيض موضع الحيض فالمعنى فاعتزلوا موضع الحيض من النساء، نعم المحيض الأول مصدر فيصلح عود الضمير إليه في قوله: {قل هو أذى} أي الحيض شيء يستقذر ويؤذي من يقربه نفرة وكراهة على أنه يحتمل أن يكون بمعنى المكان والتقدير هو ذو أذى، وإنما قدم قوله: {هو أذى} لترتب الحكم وهو وجوب الاعتزال عليه. وذلك أن دم الحيض دم فاسد يتولد من فضلة تدفعها طبيعة المرأة من طريق الرحم، حتى لو احتبست تلك الفضلة لمرضت المرأة. فذلك الدم جار مجرى البول والغائط فكان أذى وقذرًا. ولا يرد عليه دم الاستحاضة حيث لا يوجب الاعتزال، لأن ذاك دم صالح يسيل من عرق يتفجر في عنق الرحم، ويؤيده «ما روي في الصحيحين عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال: لا، إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي». ومعنى العرق أنه علة حدثت بها من تصدع العروق. وأصل الحيض في اللغة السيل. يقال: حاض السيل وفاض. قال الأزهري: منه قيل الحوض لأن الماء يحيض إليه أي يسيل. والواو والياء من حيز واحد. وقد ورد في الحديث لدم الحيض صفات منها السواد ويراد به أنه يعلوه حمرة متراكبة فيضرب من ذلك إلى السواد، ومنها الثخانة، ومنها المحتدم وهو المحرق من شدة حرارته، ومنها أنه ذو دفعات أي يخرج برفق ولا يسيل سيلًا، ومنها أن له رائحة كريهة، ومنها أنه بحراني وهو الشديد الحمرة. وقيل: ما يحصل فيه كدورة تشبيهًا له بماء البحر. فمن الناس من قال: إن كان الدم موصوفًا بهذه الصفات فهو الحيض وإلا فلا، وما اشتبه الأمر فيه فالأصل بقاء التكاليف، وزوالها إنما كان بعارض الحيض. فإذا كان غير معلوم الوجود بقيت التكاليف الواجبة على ما كانت. ومنهم من قال: هذه الصفات قد تشتبه على المكلف فإيجاب التأمل في تلك الدماء وفي تلك الصفات يقتضي عسرًا ومشقة، فالشارع قدر وقتًا مضبوطًا متى حصلت الدماء فيه كان حكمها حكم الحيض، ومتى حصلت خارج ذلك الوقت لم يكن حكمها حكم الحيض كيف كانت صفة تلك الدماء. أما السن المحتمل للحيض فأصح الوجوه أنها تسع سنين فإن رأت الصبية دمًا قبل استكمال التسع فهو دم فساد. قال الشافعي: وأعجل من سمعت من النساء يحضن نساء تهامة يحضن لتسع سنين. وقيل: إن أول وقت الإمكان يدخل بالطعن في السنة التاسعة. وقيل: بمضي ستة أشهر من السنة التاسعة. والاعتبار على الوجوه بالسنين القمرية تقريبًا على الأظهر لا تحديدًا، حتى لو كان بين رؤية الدم وبين استكمال التسع على الوجه الأصح ما لا يسع حيضًا وطهرًا، كان ذلك الدم حيضًا وإلا فلا، وأقل مدة الحيض عند الشافعي يوم وليلة، وعند أبي حنيفة ثلاثة أيام، وعن مالك لا حد لأقله.
وأما أكثر الحيض فهو خمسة عشر يومًا وليلة لقول علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه: ما زاد على خمسة عشر فهو استحاضة. وعن عطاء: رأيت من تحيض يومًا ومن تحيض خمسة عشر يومًا. وأما الطهر فأكثره لا حد له. فقد لا ترى المرأة الدم في عمرها إلا مرة واحدة، وأقله خمسة عشر يومًا، وقال أحمد أقله ثلاثة عشر. وقال مالك: ما أعلم بين الحيضتين وقتًا يعتمد عليه لنا الرجوع إلى الوجود، وقد ثبت ذلك من عادات النساء، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «تمكث إحداهن شطر دهرها لا تصلي» أشعر ذلك بأقل الطهر وأكثر الحيض. وغالب عادات النساء في الحيض ست أو سبع، وفي الطهر باقي الشهر. قال صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش: «تحيضي في علم الله ستًا أو سبعًا كما تحيض النساء ويطهرن» ومعنى: في علم الله، أي مما علمك الله من عادتك أو من غالب عادات النساء. ويحرم في الحيض عشرة أشياء: الصلاة والصوم والاعتكاف والمكث في المسجد والطواف ومس المصحف وقراءة القرآن والسجود والغشيان بنص القرآن والطلاق في حق بعضهن ثم إن أكثر فقهاء الأمصار على أن المرأة إذا انقطع حيضها لا يحل مجامعتها إلا بعد أن تغتسل عن الحيض، وهذا قول مالك والأوزاعي والشافعي والثوري. والمشهور عن أبي حنيفة أنها إن رأت الطهر دون عشرة أيام لم يقربها زوجها حتى تغتسل ويمضي عليها وقت صلاة، وإن رأته عشرة أيام جاز له أن يقربها قبل الاغتسال. حجة الشافعي أن القراءة المتواترة حجة بالإجماع فإذا حصلت قراءتان متواترتان وجب الجمع بينهما ما أمكن. فمن قرأ: {يطهرن} بالتخفيف فانتهاء الحرمة عنده انقطاع الدم، ومن قرأ: {يطهرن} بالتثقيل فالنهاية تطهرها بالماء، والجمع بين الأمرين ممكن بأن يكون النهاية حصول الشيئين. ومعنى قوله: {ولا تقربوهن} أي لا تجامعوهن وهذا كالتأكيد لقوله: {فاعتزلوا} ويحتمل أن يكون ذلك نهيًا عن المباشرة في موضع الدم وهذا نهي عن الالتذاذ بما يقرب من ذلك الموضع. وأيضًا قوله: {فإذا تطهرن فأتوهن} تعليق للإتيان على التطهر بكلمة إذا، فوجب أن لا يجوز الإتيان عند عدم التطهر. والمراد بالتطهر الاغتسال؛ لأن هذا الحكم عائد إلى ذات المرأة، فوجب أن يحصل في كل بدنها لا في بعض من أبعاض بدنها. وعن عطاء وطاوس هو أن تغسل الموضع وتتوضأ. وقال بعضهم: غسل الموضع.
ثم القائلون بوجوب الاغتسال أجمعوا على أن التيمم يقوم مقامه عند إعواز الماء {من حيث أمركم الله} أي من المأتى الذي أمركم به وحلله لكم وهو القبل. عن ابن عباس ومجاهد وإبراهيم وقتادة وعكرمة. وقال الأصم والزجاج: فأتوهن من حيث يحل لكم غشيانهن وذلك بأن لا يكنّ صائمات ولا معتكفات ولا محرمات. وعن محمد ابن الحنفية: فأتوهن من قبل الحلال دون الفجور.
{إن الله يحب التوابين} مما عسى أن يبدر عنهم من ارتكاب ما نهوا عنه من ذلك بمجامعة الحائض والطاهرة قبل الغسل وإتيان الدبر {ويحب المتطهرين} المتنزهين عن تلك الفواحش. فالتائب هو الذي فعله ثم تركه، والمتطهر هو الذي ما فعله تنزهًا عنه لأن الذنب كأنه نجاسة روحانية حكمية {إنما المشركون نجس} [التوبة: 28] أو يحب التوابين الذين يطهرون أنفسهم بطهرة التوبة من كل ذنب، ويحب المتطهرين من جميع الأقذار والأوزار. الحكم الثامن {نساؤكم حرث لكم} وإنه جار مجرى البيان والتوضيح لقوله: {فأتوهن من حيث أمركم الله} دلالة على أن الغرض الأصلي في الإتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة فينبغي أن يؤتى المأتي الذي هو مكان الحرث، وعن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت هذه الآية. وعن ابن عباس: جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت. قال: وما أهلكك؟ قال: حوّلت رحلي الليلة. قال: فلم يرد عليَّ شيئًا. فأوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية. وتحويل الرحل قيل: ظاهره الكناية عن الإتيان في غير المحل المعتاد. وقيل: إنه الإتيان في المحل المعتاد لكن من جهة ظهرها. وعنه كانت الأنصار تنكر أن يأتي الرجل المرأة مجبية أي في قبلها من دبرها وكانوا أخذوا ذلك من اليهود وكانت قريش تفعل ذلك ولما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} أي مقبلات ومدبرات ومستكفيات بعد أن يتقى الدبر والحيضة، وذلك أن قوله: {حرث لكم} أي مزرع ومنبت للولد وهذا على سبيل التشبيه. ففرج المرأة كالأرض، والنطفة كالبذر، والولد كالنبات، وإنما وحد الحرث لأنه مصدر أقيم مقام المضاف أي هن مواضع حرث فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم، لا تحظر عليكم جهة دون جهة، بعد أن يكون المأتي واحدًا وهو موضع الحرث أعني القبل دون الدبر، هذا ما عليه أكثر العلماء ويؤيده قوله عز من قائل: {قل هو أذى فاعتزلوا} جعل ثبوت الأذى علة للاعتزال ولا معنى للأذى، إلا ما يتأذى الإنسان منه بنتن وتلوث وتنفر طبع، والأذى في الدبر حاصل أبدًا فالاعتزال عنه أولى بالوجوب.
فمعنى {أنى شئتم} كيف شئتم من قبلها قائمة أو باركة أو مضطجعة. وقيل: أنى بمعنى متى أي فأتوا حرثكم أي وقت شئتم من أوقات الحل يعني إذا لم تكن أجنبية أو محرمة أو صائمة أو حائضًا. وعن ابن عباس: المعنى إن شاء عزل وإن شاء لم يعزل. وقيل: متى شئتم من ليل أو نهار والأصح الأول وعن مالك والشيعة تجويز إتيان النساء في أدبارهن ويحكى أن نافعًا نقل عن ابن عمر مثل ذلك واحتجوا بأن الحرث اسم المرأة لا الموضع المعين وبأن قوله: {أنى شئتم} معناه من أين شئتم كقوله: {أنى لك هذا} [مريم: 37] أي من أين. وكلمة أين تدل على تعدد الأمكنة فيلزم أن يكون المأتي بها متعددًا. وبقوله: {إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم} [المؤمنون: 6] ترك العمل بعمومه في حق الذكور لدلالة الإجماع فوجب أن يبقى معمولًا به في حق الإناث. ولا يخفى ضعف هذه الحجج ولو سلم مساواتها دلائل الحرمة في القوة فالاجتناب أحوط، وكيف لا وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ملعون من أتى امرأة في دبرها» ولو لم يكن فيه إلا فوات غرض التوالد والتناسل الذي به بقاء النوع الإنساني الذي هو أشرف أنواع الكائنات لكفى به منقصة وذمًا، وإذا كان لزنا لكونه مزيلًا للنسب محرمًا، وكذا الخمر لكونها رافعة للعقل، والقتل لكونه مفنيًا للشخص، فلأن يحرم هذا الفعل لكونه متضمنًا لفناء النوع أولى كاللواط وإتيان البهيمة والاستمناء ولهذا عقبه بقوله: {وقدموا لأنفسكم} أي افعلوا ما تستوجبون به الجنة والكرامة كقول الرجل لغيره قدم لنفسك عملًا صالحًا وذلك أن الآية اشتملت على الإذن في أحد الموضعين والمنع عن الموضع الآخر فكأنه قيل: لا تكونوا في قيد قضاء الشهوة وإنما يجب أن تكونوا في ربقة الإخلاص وتقديم الطاعة، ثم إنه أكد ذلك بقوله: {واتقوا الله} ثم زاد التأكيد بقوله: {واعلموا أنكم ملاقوه} وهذه التهديدات الثلاثة المتوالية لا تحسن إلا إذا كانت مسبوقة بالنهي عن مشتهي. فقوله: {وقدموا لأنفسكم} تحريض على فعل الطاعات ويندرج فيه ابتغاء لولد والتسمية عند الوقاع وغير ذلك من بآداب الخلوة، وقوله: {واتقوا الله} زجر عن المحظورات والمنكرات، وقوله: {واعلموا أنكم ملاقوه} تذكير ليوم البعث والحساب الذي لولاه لضاع فعل الطاعات وترك المنهيات وما أحسن هذا الترتيب! ثم قال: {وبشر المؤمنين} كيلا يخلو الوعيد من الوعد. ولم يذكر المبشر به وهو الثواب والكرامة ونحوهما إما لأنه كالمعلوم من نحو قوله: {وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلًا كبيرًا} [الأحزاب: 47] {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات} [البقرة: 25] وإما لأن الغرض نفس البشارة مثل فلان يعطى.
الحكم التاسع: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} وهو نهي عن الجراءة على الله بكثرة الحلف، فإن من أكثر ذكر شيء في معنى من المعاني فقد جعله عرضة أي معرضًا له قال: فلا تجعلوني عرضة للوائم. وقد ذم الله تعالى من أكثر الحلف بقوله: {ولا تطع كل حلاف مهين} [القلم: 10] والحكمة فيه أن من حلف في كل قليل وكثير بالله انطلق لسانه بذلك فلا يؤمن إقدامه على الأيمان الكاذبة. وأيضًا كلما كان الإنسان أكثر تعظيمًا لله كان أكمل في العبودية، ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله تعالى أجل وأعلى عنده من أن يبتذله ويستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية. وقوله: {أن تبروا} علة النهي اي إرادة أن تبروا وتتقوا وتصّلحوا بين الناس لأن الخلاف مجترئ على الله غير معظم له فلا يكون برًا متقيًا، فإذا ترك الحلف لاعتقاده أن الله أعظم وأجل من أن يستشهد باسمه العظيم في مطالب الدنيا اعتقد الناس في صدق لهجته وبعده من الأغراض الفاسدة فعدوه برًا متخذًا من الإخلال بواجب حق الله فيدخلونه في وساطاتهم وإصلاح ذات بينهم. ومعنى آخر وهو أن تكون العرضة فعلة بمعنى مفعول كالقبضة والغرفة فيكون اسمًا للشيء الذي يوضع في عرض الطريق فيصير مانع الناس من السلوك، ومنه عرض العود على الإناء وتقول فلان عرضة دون الخير. وذلك أن الرجل كان يحلف على بعض الخيرات من صلة لرحم أو إصلاح أو إحسان أو عبادة ثم يقول: أخاف الله أن أحنث في يميني. فيترك البر إرادة البر في يمينه فقيل: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم} أي حاجزًا لما حلفتم عليه. وسمي المحلوف عليه يمينًا لتلبسه باليمين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة: إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك أي على شيء مما يحلف عليه. فيكون قوله: {أن تبروا} عطف بيان {لأيمانكم} أي للأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى أو الإصلاح بين الناس، وعلى هذا فاللام في {لأيمانكم} إما أن تتعلق بالفعل أي ولا تجعلوا الله لأيمانكم برزخًا وحاجزًا، وإما أن تعلق ب {عرضة} لما فيها من معنى الاعتراض بمعنى لا تجعلوا شيئًا يعترض البر. ويجوز أن تكون اللام للتعليل ويتعلق {أن تبروا} بالعرضة أي لا تجعلوا الله لأجل أيمانكم به عرضة لأن تبروا {والله سميع} إن حلفتم به {عليم} بنياتكم إن تركتم الحلف إجلالًا لذكره، واليمين في الأصل عبارة عن القوة فسمي الحلف بذلك لأن المقصود بها تقوية جانب البر على جانب الحنث. اللغو الساقط الذي لا يعتد به من كلام وغيره ولهذا قيل: لما لا يعتد به ولا يخطر من أولاد الإبل في الدية لغو وهو في الأصل مصدر لغا يلغو.
قال صلى الله عليه وسلم: «من قال يوم الجمعة لصاحبه صه والإمام يخطب فقد لغا» واختلف الفقهاء في اللغو من اليمين فذهب الشافعي- وهو قول عائشة والشعبي وعكرمة- أنه قول العرب لا والله وبلى والله مما يؤكدون به كلامهم ولا يخطر ببالهم الحلف. فلو قيل لواحد منهم: سمعتك اليوم تحلف في المسجد الحرام لا ننكر ذلك ولعله قال: لا والله ألف مرة. ومذهب أبي حنيفة وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد والنخعي والزهري وسليمان بن يسار وقتادة والسدي ومكحول- أن اللغو هو أن يحلف على شيء يعتقد أنه كان ثم بان أنه لم يكن. وفائدة الخلاف أن الشافعي لا يوجب الكفارة في قول الرجل لا والله وبلى والله ويوجبها فيما إذا حلف على شيء يعتقد أنه كان ثم بان أنه لم يكن، وأبو حنيفة يحكم بالضد من ذلك. حجة الشافعي أن الآية تدل على أن لغو اليمين كالمقابل المضاد لما يحصل بسبب كسب القلب، لكن المراد من قوله: {بما كسبت قلوبكم} هو الذي يقصده الإنسان على سبيل الجد ويربط به قلبه فيكون اللغو ما تعوّده الناس في الكلام لا والله وبلى والله فأما إذا حلف على شيء أنه كان حاصلًا جدًا ثم ظهر أنه لم يكن فقد قصد الإنسان بذلك اليمين المتصل تصديق قوله وربط قلبه بذلك فلم يكن لغوًا ألبتة، وأيضًا إنه سبحانه ذكر قبل هذه الآية النهي عن كثرة الحلف فذكر عقيب ذلك حال هؤلاء الذين يكثرون الحلف على سبيل الاعتياد في الكلام على سبيل القصد إلى الحلف، وبيّن أنه لا مؤاخذة عليهم ولا كفارة لأن إيجاب الكفارة والمؤاخذة عليهم يفضي إما إلى أن يمنعوا عن الكلام أو يلزمهم في كل لحظة كفارة وكلاهما حرج في الدين، فظهر أن تفسير اللغو بما ذكرنا هو المناسب ويؤده ما روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لغو اليمين قول الرجل بين كلامه لا والله وبلى والله» وروي أنه صلى الله عليه وسلم مر بقوم ينتضلون ومعه رجل من أصحابه فرمى رجل من القوم فقال: أصبت والله ثم أخطأ فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم: حنث الرجل يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «كل أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة» وعن عائشة أنها قالت: أيمان اللغو ما كان في الهزل والمراء والخصومة التي لا يعقد عليها القلب.
وأثر الصحابي في تفسير كلام الله حجة. وقال أبو حنيفة: اليمين معنى لا يلحقه الفسخ فلا يعتبر فيه القصد كالطلاق والعتاق. وأيضًا إنه صلى الله عليه «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير ثم ليكفر عن يمينه» أوجب الكفارة على الحانث مطلقًا من غير فصل بين المجد والهازل. وقيل: إن يمين اللغو هو الحلف على ترك طاعة أو فعل معصية، فبين الله تعالى أنه لا يؤاخذ بترك هذه الأيمان {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} أي بإقامتكم على ذلك الذي حلفتم عليه من ترك الطاعة وفعل المعصية وعن الضحاك أن اللغو هي اليمين المكفرة كأنه قيل: لا يؤاخذكم الله بإثم الحلف إذا كفرتم. وقيل: هي ما يقع سهوًا، والمراد بما كسبت قلوبكم هو العمد، واختاره القاضي أبو بكر. ثم إن الشافعي قال: معنى لا يؤاخذكم لا يلزمكم الكفارة بلغو اليمين الذي لا قصد معه، ولكن يلزمكم الكفارة بما نوت قلوبكم وقصدت من الأيمان ولم يكن كسب اللسان وحده. وقال أبو حنيفة: معناه لا يعاقبكم بلغو اليمين الذي يحلفه أحدكم بالظن، ولكن يعاقبكم بما اقترفته قلوبكم من إثم القصد أي الكذب في اليمين، وهو أن يحلف على ما يعلم أنه خلاف ما يقوله وهو اليمين الغموس. وقال مالك في الموطأ: أحسن ما سمعت في ذلك أن اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك ثم يوجد بخلافه فلا كفارة. قال: والذي يحلف على شيء وهو يعلم أنه فيه آثم كاذب ليرضي به أحدًا أو يعتذر لمخلوق أو بقتطع به مالًا فهذا لا أعلم أن يكون فيه كفارة، وإنما الكفارة على من حلف أن لا يفعل الشيء المباح الذي له فعله ثم يفعله، أو أن يفعله ثم لا يفعله مثل: أن حلف ألا يبيع ثوبه بعشرة دراهم ثم يبيع بذلك، أو يحلف ليضربن غلامه ثم لا يضربه. {والله غفور رحيم} حيث لم يؤاخذكم باللغو في أيمانكم وأخر عقوبتكم بما كسبت قلوبكم لعلكم تتفكرون أو تتوبون عنها.
الحكم العاشر: {للذين يؤلون من نسائهم} يقال في اللغة: آلى يؤلي إيلاء وأئتلى ائتلاء وتألى تأليًا. والإلية والقسم واليمين والحلف كلها واحد. وفي الحديث القدسي «آليت أن أفعل» خلاف المقدرين والإيلاء في الشرع هو الحلف على الامتناع من وطء لزوجة مطلقًا أو مدة تزيد على أربعة أشهر. وكان الإيلاء طلاقًا في الجاهلية فغيّر الشرع حكمه. قال سعيد بن المسيب. كان الرجل لا يريد المرأة ولا يحب أن يتزوجها غيره، فيحلف أن لا يقربها وكان يتركها بذلك لا أيمًا ولا ذات بعل، والغرض منه مضارة المرأة. ثم إن أهل الإسلام كانوا يفعلون ذلك أيضًا فأزال الله تعالى ذلك وأمهل الزوج مدة حتى يتروى ويتأمل.
فإن رأى المصلحة في ترك هذه المضارة فعلها، وإن رأى المصلحة في المفارقة عن المرأة فارقها. ثم المتعارف أن يقال: آليت على كذا وإنما عدي هاهنا بمن لأنه أريد لهم من نسائهم تربص أربعة أشهر كما يقال: لي منك كذا أو ضمن في هذا القسم المصوص معنى البعد فكأنه قيل: يبعدون من نسائهم أو يعتزلون مولين أو مقسمين. والتربص التلبث والانتظار وإضافته إلى أربعة أشهر إضافة المصدر إلى الظرف كقوله: بينهما يوم أي مسيرة في يوم {فإن فاؤا} فإن رجعوا عما حلفوا عليه من ترك جماعها {فإن الله غفور رحيم} يغفر للمولين ما عسى يقدمون عليه من طلب الضرار بالإيلاء وهو الغالب، وإن كان من الجائز كونه على رضا منهن إشفاقًا منهن على الولد من القتل أو لغير ذلك من الأسباب {وإن عزموا الطلاق} بان عقدوا القلب على حل رابطة النكاح {فإن الله سميع عليم} وعيد على إصرارهم وتركهم الفيئة التي هي مثل التوبة. واعلم أن الإيلاء له أركان أربعة. الحالف والمحلوف به والمحلوف عليه ومدة هي ظرف المحلوف عليه.
الركن الأول: الحالف وهو كل زوج يتصور منه الوقاع وكان تصرفه معتبرًا في الشرع، فيصح إيلاء الذمي لعموم قوله: {للذين يؤلون} وبه قال أبو حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: لا يصح إيلاؤه بالله تعالى ويصح بالطلاق والعتاق، وأيضًا لا فرق عندنا بين الحر والرقيق في الحد. وعند أبي حنيفة يتنصف برق المرأة، وعند مالك برق الرجل كما قالا في الطلاق لنا أن التخصيص خلاف الظاهر، ولأن تقدير هذه المدة إن كان لأجل معنى يرجع إلى الجبلة والطبع وهو قلة الصبر على مفارقة الزوج فيستوي فيه الحر والرقيق كالحيض ومدة الرضاع ومدة العنة. ويصح الإيلاء في حالتي الرضا والغضب بعموم الآية. وقال مالك: لا يصح إلا في حال الغضب. وأيضًا يصح الإيلاء من المرأة سواء كانت في صلب النكاح أو كانت مطلقة طلقة رجعية، لأن الرجعية يصدق عليه أنها من نسائه بدليل أنه لو قال: نسائي طوالق. وقع الطلاق عليها فتدخل تحت ظاهر قوله: {يؤلون من نسائهم} ولهذا لو قال لأجنبية: والله لا أجامعك لم يكن موليًا. وإيلاء الخصي صحيح لأنه يجامع كما يجامع الفحل غير أنه لا ينزل. ومن جُبّ جميع ذكره لم يصح إيلاؤه على الأظهر لأنه لا يتحقق منه قصد الإيلاء لامتناع الأمر في نفسه. وكذا الأشل ومن بقي من ذكره بعد الجب ما دون قدر الحشفة. فإن آلى ثم جب فالأصح ثبوت الخيار لها فإن لم تفسخ بقي الإيلاء على الأظهر لأن العجز عارض وقد قصد الإضرار في الابتداء وإذا كانت المرأة رتقاء أو قرناء فالحكم كما في الجب ولا يصح إيلاء الصبي والمجنون بحال.
الركن الثاني: المحلوف به وهو إما الله تعالى وصفاته أو غيره. فإن حلف بالله كان موليًا، ثم إن جامعها في مدة الإيلاء خرج عن الإيلاء. وهل يجب عليه كفارة اليمين؟ الجديد وقول أبي حنيفة أنه يجب عليه كفارة اليمين، لأن الدلائل الدالة على وجوب الكفارة عند الحنث باليمين عامة، وأي فرق بين أو يقول: والله لا أقربك ثم يقربها وبين أن يقول: والله لا أكلمك ثم يكلمها. وإنما ترك ذكر الكفارة في الآية لأنها مبنية في سائر المواضع من القرآن وعلى لسان الرسول. وقوله تعالى: {فإن الله غفور رحيم} يدل على عدم العقاب وأنه لا ينافي الكفارة كالتائب عن الزنا أو القتال لا عقاب عليه، ومع ذلك يجب عليه الحد والقصاص. وأما إن كان الحلف في الإيلاء بغير الله كما إذا قال: إن وطئتك فللَّه علي عتق رقبة أو صدقة أو حج أو صوم أو صلاة. فهل يكون موليًا؟ الجديد وهو قول أبي حنيفة ومالك وجماعة من العلماء أنه يكون موليًا لأن العتق والطلاق المعلقين بالوطء يحصلان لو وطئ فيكون ما يلزمه الوطء مانعًا له من الوطء، ويكون هو بتعليقه بالوطء مضرًا بها فيثبت لها المطالبة كما في اليمين بالله تعالى حتى يضيق الأمر عليه بعد مضي أربعة أشهر ليفيء أو يطلق. ولا يخفى أنه لو كان المعلق به إلزام قربة في الذمة فعليه ما في نذر اللجاج. وفيه أقوال أصحها أن عليه كفارة اليمين، والثاني عليه الوفاء بما سمى، والثالث التخيير بين كفارة اليمين وبين الوفاء.
الركن الثالث: المحلوف عليه وهو الجماع وهذا من صرائح ألفاظه، وكذا النيك والوطء والإصابة ومن كناياتها المباضعة والملامسة والمباشرة فلا تعمل إلا بالنية.
الركن الرابع: المدة. فعن ابن عباس أنه لا يكون موليًا حتى يحلف أن لا يطأها أبدًا، وعن الحسن وإسحاق أنه مول وإن حلف يومًا. وهذان المذهبان في غاية البعد. وعن أبي حنيفة والثوري أنه لا يكون موليًا حتى يحلف على أن لا يطأها أربعة أشهر أو فيما زاد. وعن مالك وأحمد والشافعي أنه لا يكون موليًا حتى تزيد المدة على أربعة أشهر. فعند الشافعي إذا آلى منها أكثر من أربعة أشهر أجل لأربعة أشهر. وهذه المدة تكون حقًا للزوج فإذا مضت طالبت المرأة الزوج بالفيئة أو الطلاق، فإن امتنع الزوج منهما طلقها الحاكم عليه. وعند أبي حنيفة إذا مضت أربعة أشهر يقع الطلاق بنفسه، حجة الشافعي أن الفاء في قوله: {فإن فاؤا} تقتضي كون ما بعدها من حكمي الفيئة والطلاق مشروعًا متراخيًا عن انقضاء الأشهر الأربعة. وأيضًا قوله: {وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} صريح في أن وقوع الطلاق وإنما يكون بإيقاع الزوج، وفي أن الزوج لابد أن يصدر عنه شيء يكون مسموعًا وما ذاك إلا إيقاع الطلاق.
أجاب أبو حنيفة بأن قوله: {فإن فاؤا} تفصيل للحكم المتقدم كما تقول: أنا نزيلكم هذا الشهر. فإن حمدتكم أقمت عندكم إلى آخره وإلا لم أقم وأتحول وأيضًا الإيلاء طلاق في نفسه، فالطلاق إشارة إليه. وأيضًا الغالب أن العازم للطلاق والضرار وترك الفيئة لا يخلو من مقاولة ودمدمة وحديث نفس، فذلك الذي يسمعه الله كما يسمع وسوسة الشيطان. واستدل على صحة مذهبه في أن الفيئة لابد أن تقع في الأشهر بقراءة عبد الله بن مسعود فإن {فاؤا فيهن} ورد بأنها شاذة فلا معول عليها والرجوع إلى الحق أولى الله حسبي. اهـ.